الأربعاء، آذار ٠٨، ٢٠٠٦


مقتطفات من كتب د/ محمد شحرور:
مالفرق بين صورتك في المرآة وشكلك الحقيقي؟
لو رسم انسان ما صورةً لوجه انسان، ورسم له عيناً واحدة فقط، فإن أول امرئ ينظر إلى هذه الصورة سيلاحظ بسرعة، الخطأ في الرسم، ولن يتريث قبل أن يقول: تنقصها عين!!!.
ولكنه لو رسم لوجه من مرآة (أي رسم الوجه معكوساً) وقدمها إلى الناس فإنه قد يراها ملايين الناس لمدة طويلة من السنين دون أن يلاحظوا أنها معكوسة.
ومثل هذا حصل لأهل الأرض عبر مئات السنين عندما كانوا يعتقدون أن الشمس تدور حول الأرض، ولكنهم كانوا عاجزين عن تفسير بعض الظواهر انطلاقاً من مسلمتهم هذه، حتى جاء شخص واحد، بشر منهم ومثلهم، وقال: إن العكس هو الصحيح وأن الأرض هي التي تدور حول الشمس.من هذه الحقيقة التاريخية التي حصلت فعلاً تبيّن لي بعد ربع قرن من البحث الدؤوب والتفكر الطويل والتأمل الواعي أننا نحن المسلمين مأسورون لمسلمات قد يكون بعضها معكوساً تماماً، وسأمثل لها في الصفحات القريبة الآتية.بيد أني أستميح القارئ الكريم عذراً لأني سأطلب إليه التريث في الحكم عليَّ قبل أن يمضي معي في رحلة هذا الكتاب، وألا يتسرع-بحكم بعض مسلماته الموروثة، التي سأثبت له بالبرهان أنها معكوسة-إلى نبذ كتابي قبل الصبر على صحبته، لأنه سيجد فيه احتراماً شديداً وإكباراً عظيماً لفكرة وعقله وإن فقد في كتابنا هذا الاحترام والإكبار نفسيهما لعواطفه.
ومن ها هنا نستعين بالله تعالى ونقول:لقد دخل العقد الثاني من القرن الخامس عشر الهجري والعقد الأخير من القرن العشرين الميلادي، والأدبيات الإسلامية منذ مطلع القرن العشرين تطرح الإسلام عقيدة وسلوكاً دون أن تدخل في العمق الفلسفي للعقيدة الإسلامية.
ولقد انطلقت من أطروحات، عدتها من مسلمات العقيدة الإسلامية وهي لا تدري أن هذه المسلمات بحاجة إلى إعادة نظر، فدارت هذه الأدبيات نفي حلقة مفرغة، ولم تصل إلى حل المعضلات الأساسية للفكر الإسلامي (التقليدي)، مثل أطروحة القضاء والقدر والحرية، ومشكلة المعرفة، ونظرية الدولة، والمجتمع والاقتصاد والديمقراطية، وتفسير التاريخ، بحيث ينتج عن ذلك فكر إسلامي معاصر يحمل كل مقومات المعاصرة شكلاً ومضموناً دون الخروج عن المقومات الأساسية للعقيدة الإسلامية في أبسط أشكالها وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.
الحلقة التالية : المشاكل الأساسية في العقل العربي الاسلامي المعاصر!!!

ليست هناك تعليقات: